آخر الأحداث والمستجدات
علي زيان يكتب : المعرض الدولي للفلاحة ورهانات مكناس الكبرى
لا يختلف إثنان في مدى أهمية والدور الكبير الذي لعبه المعرض الدولي للفلاحة منذ إنشاء الدورة الاولى سنة 2005 الى نسخته الخامسة عشر 2023 في تطوير قطاع الفلاحة بالمغرب وعلى الصعيد الدولي ، اليوم نعم هناك أزمة أسعار وإنتاج في المواد الزراعية والفلاحية نتيجة تداعيات الأزمة الصحية العالمية كوفيد-19 ومعها الأزمة الروسية الأوكرانية ومعها الجفاف والتغيرات المناخية المرعبة على اقتصادات الدول والتجارة الاقليمية والدولية من خلال ارتفاع اسعار النفط ومشتقاته وارتفاع نسب التضخم و تراجع احتياطيات الأمن الغذائي في العديد من الدول .
كما أن غلاء الاسعار في المنتوجات الفلاحية الزراعية والحيوانية بالمغرب أسبابها متعددة منها ماهو مرتبط بالسياق الدولي ومنها ماهو مرتبط بضعف السياسة الفلاحية الداخلية في تحقيق حكامة جيدة لتصريف موارد الدولة المادية والبشرية في مخططاتها القطاعية وعلى رأسها مخطط المغرب الأخضر الذي لم يستطيع تأمين الامن الغذائي للأمة المغربية وانجرف نحو تحقيق الآماني الفلاحية لدول المعمور بتصدير منتوجات الفلاحة الراقية .وهذا موضوع لا يسعنا الوقت للحديث عنه ونتركه لسياق اخر.
مدينة مكناس العاصمة التاريخية والسلطانية والفلاحية والتي انعم عليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده سنة 2005 بتنظيم المعرض الدولي للفلاحة برحاب القصور السلطانية بالقصبة الاسماعيلية مكناس وهذه رمزية كبيرة وعطف مولوي سامي لإسدال رداء العز والوقار عليها ، كما ان اختيار جلالته لمدينة مكناس في تنظيم المعرض الدولي للفلاحة ينبع من رأيه السديد المبني على دراية عميقة وغميسة بتاريخ وتراث المملكة الشريفة أدام الله عزها وبيرقها يرفرف بين الأمم ، فالموقع يعتبر مهد كل التقنيات الفلاحية في الزراعة والبستنة به أحدثت أول حديقة للتجارب الفلاحية بالمغرب سنة 1913 بحنان بنحليمة كما ان المناطق المحيطة توجد في بستان المشتهى " حي الزيتون " ومروج أكدال النعامة والمربط التاريخي للحريسة الملكية التي حافظت على نسل الخيول منذ عهد السلطان المولى اسماعيل ، والمكان الذي يوضع به الابقار والخرفان ومختلف الحيوانات والدواجن يوجد أمام سور قصر البقر الذي خصصه السلطان المولى إسماعيل لتربية الابقار وانتاج الحليب العادة التي بقيت الى العهد العزيزي حيت قام الصدر الاعظم باحماد بتحويل دار البقر السلطانية الى المحل الذي يعرف الان بحديقة الحبول .إضافة الى كون المكان التاريخي الجميل توجد به معالم تاريخية فلاحية من قبيل هري السواني لتخزين الحبوب والذي كانت تؤمن احتياطاته المخزونة سبع سنوات من الغذاء الوطني في ذلك الوقت ، إضافة الى اسطبلات الخيول ومنظومة مائية فريدة تبدأ من السواني الابار العشرة تحت الهري ومعه مصدر مائي تحت أرضي قادم من واد بوفكران عبر القواديس الخزفية نحو صهريج السواني الذي يصرف مائه نحو القصور والمدينة القديمة والجنانات اخر أطراف أسوار المدينة وهذا تراث إنساني فلاحي مادي و غير مادي كبير ومصنف تراثا عالميا للانسانية لدى منظمة اليونسكو .
فسحر ورمزية المكان التاريخية والتراثية وتواجده بجماعة المشور الستينية ذات النظام الاداري المختلف بحكم تبعية المجال اولا روحيا وثانيا تاريخيا وثالثا ترابيا للقصور السلطانية أدام الله بهجتها وبهائها بين العمران.
فالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس مناسبة سنوية عظيمة تطورت منذ أول نسخة الى النسخة الحالية 2023 في عدد العارضين و المشاركين المهنيين الدوليين والوطنيين ذاتيين أو معنويين شركات وهيئات حكومية وغير حكومية في كل التخصصات الفلاحية سواء في مجال الأبحاث والدراسات العلمية الاكاديمية أو في مجال الأعمال و المال والتأمينات ، وفي مجال الصناعة الفلاحية والتحويلية والتجارة - استيراد وتصدير - والتسويق الوطني والحهوي والمحلي ، مجال تطور الالات الفلاحية والمعدات والهياكل و تقنيات البيطرة الحديثة وتحسين النسل والوراثة و الزراعات البديلة ، واستخدام التكنولوجيا الحديثة والرقمنة والذكاء الاصطناعي ، مع فسح المجال لتسويق المنتوجات المجالية من طرف التعاونيات والجمعيات النشيطة في المجال الزراعي والحيواني ومختلف الانشطة المدرة للدخل في اطار الاقتصاد التضامني و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
كل هذه الجودة وهذا التطور واستشراف المستقبل الفلاحي دوليا ووطنيا ومعه الحركة الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط به خلال الأيام التي تنظم فيه لم تساير المدينة هذا الحدث العالمي الكبير في كل الميادين وخصوصا في مجال التنمية الحضرية وتأهيل المدينة .
مدينة مكناس بقيت في مكانها تنمويا لم تساير القيمة الاستثنائية للمعرض الدولي للفلاحة الذي يعد واحدا من أسباب الإنفتاح والتسويق السياحي الدولي والوطني ،وخير دليل ضعف البنية التحتية وحالة الطرقات والاكتظاظ وضعف تغطية الفنادق وانعدام رؤية تنموية شاملة ونظرة استشرافية لتأهيل المدينة لتساير هذا العمل الكبير والانجاز الرائع الذي يسهر عليه نخبة من الأطر الكبيرة المكناسية ذات الخبرة الطويلة والمرجعية والثقة المولوية .
فكان حريا على كل الوحدات الترابية جهويا واقليميا وجماعيا ان تضع برنامجا او خطة متكاملة لتطوير وتأهيل المدينة في تجويد الحياة بها ، تهيئة الطرقات والمدار الحضري ووضع تشوير مستدام و رقمي دائم و بإنارة تفاعلية تضم كل لغات العالم واللهجات المحلية ، كان على كل المتدخلين القطاعيين ممثلي قطاعات الدولة ومعها المجالس المنتخبة و تطبيقا لمبدأي التفريع والتمايز الوقوف على أولويات المدينة التنموية ببناء محطة طرقية وأخرى للقطار من الجيل الجديد و تخصيص مرائب للسيارات ومساحات خضراء ونافورات ذكية وإنارة عامة في كل الاحياء والمدارات وتنزيل مشاريع كبرى لتهيئة الفنادق الحالية وزيادة اخرى من الصنف الممتاز حتى تكون لدينا بنية تحتية تستقبل الضيوف الدوليين والرؤساء والمسؤولين الكبار سواء في هذا المعرض او غيره من التظاهرات الوطنية والدولية سواء في الفلاحة او الصناعة او السياحة أو الرياضة او الاعلام .
فبدل توجيه نبال النقد الى المعرض الدولي للفلاحة ، لابد من نقد الوضع الحالي للمدينة التنموي البئيس رغم مجهودات الدولة وعلى رأسها إنعام جلالة الملك على تراث المدينة المادي ببرنامج تثمين المدينة العتيقة البرنامج الملكي العظيم الذي سيحافظ على معالمنا التاريخية اذا ما تم اعادة توظيفها بطرق علمية بحتة تتماشى والرؤية السديدة لجلالته .
كلام طويل ويحتاج الكثير من الحديث لكن شرح الواضحات من المفضحات ، المعرض الدولي للفلاحة بمكناس مناسبة دولية ذات بعد ورمزية كبيرة وكل الشكر والتقدير للجمعية المنظمة والسلطات المحلية والامن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية ورجال الامن الخاص وكل المتدخلين القطاعيين الاخرين بالمدينة وجماعة مشور الستينية بحكم الاختصاص الترابي ورجال الاعلام والصحافة التي كانت تعطينا صورة ايجابية عن المعرض وكل المتفاعلين بحرقة وغيرة عن المدينة بالوسائط الاجتماعية والله يحيينا ويحييكم العام جاي انما وهذه قناعتي ولن أخشى لومة لائم مدينة مكناس على مستوى وحداتها الترابية لم تكن في مستوى الحدث ومنذ زمان .
تبقى العناية السامية لجلالة الملك حفظه الله هي السبيل الوحيد للنهوض بهذه المدينة تنمويا عبر الإنعام عليها ببرنامج التنمية الحضرية لاستشراف مستقبلها التنموي و السير بموازاة مع فكرته السديدة بتنظيم هذا المعرض الدولي للفلاحة برحاب القصور السلطانية ، حفظ الله مولانا الإمام بما حفظ به الذكر الحكيم، وأدام على جلالته نعمة الصحة والسلامة وطول العمر، وأقر عينه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وشد أزره بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
الكاتب : | علي زيان |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2023-05-07 21:17:42 |